Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة النساء - الآية 157

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) (النساء) mp3
وَقَوْلهمْ " إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيح عِيسَى اِبْن مَرْيَم رَسُول اللَّه " أَيْ هَذَا الَّذِي يَدَّعِي لِنَفْسِهِ هَذَا الْمَنْصِب قَتَلْنَاهُ وَهَذَا مِنْهُمْ مِنْ بَاب التَّهَكُّم وَالِاسْتِهْزَاء كَقَوْلِ الْمُشْرِكِينَ " يَا أَيّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْر إِنَّك لَمَجْنُون " وَكَانَ مِنْ خَبَر الْيَهُود عَلَيْهِمْ لَعَائِن اللَّه وَسَخَطه وَغَضَبه وَعِقَابه أَنَّهُ لَمَّا بَعَثَ اللَّه عِيسَى اِبْن مَرْيَم بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى حَسَدُوهُ عَلَى مَا آتَاهُ اللَّه تَعَالَى مِنْ النُّبُوَّة وَالْمُعْجِزَات الْبَاهِرَات الَّتِي كَانَ يُبْرِئ بِهَا الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص وَيُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّه وَيُصَوِّر مِنْ الطِّين طَائِرًا ثُمَّ يَنْفُخ فِيهِ فَيَكُون طَائِرًا يُشَاهِد طَيَرَانه بِإِذْنِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْمُعْجِزَات الَّتِي أَكْرَمَهُ اللَّه بِهَا وَأَجْرَاهَا عَلَى يَدَيْهِ وَمَعَ هَذَا كَذَّبُوهُ وَخَالَفُوهُ وَسَعَوْا فِي أَذَاهُ بِكُلِّ مَا أَمْكَنَهُمْ حَتَّى جَعَلَ نَبِيّ اللَّه عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام لَا يُسَاكِنهُمْ فِي بَلْدَة بَلْ يُكْثِر السِّيَاحَة هُوَ وَأُمّه عَلَيْهِمَا السَّلَام ثُمَّ لَمْ يُقْنِعهُمْ ذَلِكَ حَتَّى سَعَوْا إِلَى مَلِك دِمَشْق فِي ذَلِكَ الزَّمَان وَكَانَ رَجُلًا مُشْرِكًا مِنْ عَبَدَة الْكَوَاكِب وَكَانَ يُقَال لِأَهْلِ مِلَّته الْيُونَان وَأَنْهَوْا إِلَيْهِ أَنَّ فِي بَيْت الْمَقْدِس رَجُلًا يَفْتِن النَّاس وَيُضِلّهُمْ وَيُفْسِد عَلَى الْمَلِك رَعَايَاهُ فَغَضِبَ الْمَلِك مِنْ هَذَا وَكَتَبَ إِلَى نَائِبه بِالْقُدْسِ أَنْ يَحْتَاط عَلَى هَذَا الْمَذْكُور وَأَنْ يَصْلُبهُ وَيَضَع الشَّوْك عَلَى رَأْسه وَيَكُفّ أَذَاهُ عَنْ النَّاس فَلَمَّا وَصَلَ الْكِتَاب اِمْتَثَلَ وَالِي بَيْت الْمَقْدِس ذَلِكَ وَذَهَبَ هُوَ وَطَائِفَة مِنْ الْيَهُود إِلَى الْمَنْزِل الَّذِي فِيهِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ فِي جَمَاعَة مِنْ أَصْحَابه اِثْنَيْ عَشَر أَوْ ثَلَاثَة عَشَر وَقَالَ سَبْعَة عَشَر نَفَرًا وَكَانَ ذَلِكَ يَوْم الْجُمُعَة بَعْد الْعَصْر لَيْلَة السَّبْت فَحَصَرُوهُ هُنَالِكَ . فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِمْ وَأَنَّهُ لَا مَحَالَة مِنْ دُخُولهمْ عَلَيْهِ أَوْ خُرُوجه إِلَيْهِمْ قَالَ لِأَصْحَابِهِ أَيّكُمْ يُلْقَى عَلَيْهِ شَبَهِي وَهُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّة ؟ فَانْتُدِبَ لِذَلِكَ شَابّ مِنْهُمْ فَكَأَنَّهُ اِسْتَصْغَرَهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَعَادَهَا ثَانِيَة وَثَالِثَة وَكُلّ ذَلِكَ لَا يُنْتَدَب إِلَّا ذَلِكَ الشَّابّ فَقَالَ : أَنْتَ هُوَ وَأَلْقَى اللَّه عَلَيْهِ شَبَه عِيسَى حَتَّى كَأَنَّهُ هُوَ وَفُتِحَتْ رَوْزَنَة مِنْ سَقْف الْبَيْت وَأَخَذَتْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام سِنَة مِنْ النَّوْم فَرُفِعَ إِلَى السَّمَاء وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى " إِذْ قَالَ اللَّه يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيك وَرَافِعك إِلَيَّ " الْآيَة فَلَمَّا رُفِعَ خَرَجَ أُولَئِكَ النَّفَر فَلَمَّا رَأَى أُولَئِكَ ذَلِكَ الشَّابّ ظَنُّوا أَنَّهُ عِيسَى فَأَخَذُوهُ فِي اللَّيْل وَصَلَبُوهُ وَوَضَعُوا الشَّوْك عَلَى رَأْسه وَأَظْهَرَ الْيَهُود أَنَّهُمْ سَعَوْا فِي صَلْبه وَتَبَجَّحُوا بِذَلِكَ وَسَلَّمَ لَهُمْ طَوَائِف مِنْ النَّصَارَى ذَلِكَ لِجَهْلِهِمْ وَقِلَّة عَقْلهمْ مَا عَدَا مَنْ كَانَ فِي الْبَيْت مَعَ الْمَسِيح فَإِنَّهُمْ شَاهَدُوا رَفْعه . وَأَمَّا الْبَاقُونَ فَإِنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَّ الْيَهُود أَنَّ الْمَصْلُوب هُوَ الْمَسِيح اِبْن مَرْيَم حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّ مَرْيَم جَلَسَتْ تَحْت ذَلِكَ الْمَصْلُوب وَبَكَتْ وَيُقَال إِنَّهُ خَاطَبَهَا وَاَللَّه أَعْلَم وَهَذَا كُلّه مِنْ اِمْتِحَان اللَّه عِبَاده لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْحِكْمَة الْبَالِغَة وَقَدْ أَوْضَحَ اللَّه الْأَمْر وَجَلَّاهُ وَبَيَّنَهُ وَأَظْهَرَهُ فِي الْقُرْآن الْعَظِيم الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُوله الْكَرِيم الْمُؤَيَّد بِالْمُعْجِزَاتِ وَالْبَيِّنَات وَالدَّلَائِل الْوَاضِحَات فَقَالَ تَعَالَى وَهُوَ أَصْدَق الْقَائِلِينَ وَرَبّ الْعَالَمِينَ الْمُطَّلِع عَلَى السَّرَائِر وَالضَّمَائِر الَّذِي يَعْلَم السِّرّ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض الْعَالِم بِمَا كَانَ وَمَا يَكُون وَمَا لَمْ يَكُنْ لَوْ كَانَ كَيْف يَكُون وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ أَيْ رَأَوْا شَبَهه فَظَنُّوهُ إِيَّاهُ وَلِهَذَا قَالَ " وَإِنَّ الَّذِينَ اِخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْم إِلَّا اِتِّبَاع الظَّنّ " يَعْنِي بِذَلِكَ مَنْ اِدَّعَى أَنَّهُ قَتَلَهُ مِنْ الْيَهُود وَمَنْ سَلَّمَهُ إِلَيْهِمْ مِنْ جُهَّال النَّصَارَى كُلّهمْ فِي شَكّ مِنْ ذَلِكَ وَحَيْرَة وَضَلَال وَسُعُر وَلِهَذَا قَالَ : وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا أَيْ وَمَا قَتَلُوهُ مُتَيَقِّنِينَ أَنَّهُ هُوَ بَلْ شَاكِّينَ مُتَوَهِّمِينَ .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • البيان والتبيين لضوابط ووسائل تمييز الرواة المهملين

    البيان والتبيين لضوابط ووسائل تمييز الرواة المهملين : يقوم هذا البحث على معالجة أمر يعترض الباحثين كثيرًا ، ألا وهو ورود بعض الرواة في الأسانيد مهملين، كأن يذكر باسمه الأول، أو كنيته أو غير ذلك، مع وجود غيره ممن يشترك معه في الاسم والطبقة، ومن ثم لا يستطيع الباحث معرفة المراد بسهولة. وقد حاولت في هذا البحث استخراج القواعد والوسائل التي تعين على تمييز الراوي المهمل، وتحديده، ومن المراد به إذا ورد في هذا الإسناد أو ذاك.

    الناشر: شبكة الألوكة http://www.alukah.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/166787

    التحميل:

  • البيان بالدليل لما في نصيحة الرفاعي ومقدمة البوطي من الكذب الواضح والتضليل

    هذه الرسالة تحتوي على رد على المدعو يوسف الرفاعي في أوراقه التي سماها نصيحة.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/314804

    التحميل:

  • معاناتي مع الشهوة

    معاناتي مع الشهوة : هذه الرسالة تسلط الضوء على أسباب الشهوة، ومخاطرها، وطرق علاجها.

    الناشر: شبكة الألوكة http://www.alukah.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/166793

    التحميل:

  • المساجد في ضوء الكتاب والسنة

    المساجد في ضوء الكتاب والسنة: قال المصنف - حفظه الله -: «فهذه رسالة مختصرة في المساجد بيّنت فيها: مفهوم المساجد، وفضلها، وفضل بنائها وعمارتها: الحسيّة والمعنويّة، وفضل المشي إليها، وآدابه، وأحكام المساجد، وأهمية حلقات العلم في المساجد، وكل مسألة قرنتها بدليلها».

    الناشر: المكتب التعاوني للدعوة وتوعية الجاليات بالربوة http://www.IslamHouse.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/58441

    التحميل:

  • حكم الغناء

    حكم الغناء: رسالةٌ تُبيِّن حكم الغناء في ضوء الكتاب والسنة، وبيان الفرق بين الغناء والحُداء والأناشيد.

    الناشر: شبكة الألوكة http://www.alukah.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/314881

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة